افتتاح معتوه للمدرسة الوطنية للذكاء الاصطناعي والرقمنة ببركان
الرباط اليوم
نقلا عن موقع الجريدة الإلكترونية القضية 24
الأكيد أن التعليم العالي يكتسب أهمية خاصة، إذ لا يمكن تحقيق تنمية بشرية مستدامة و تحول ديمقراطي حقيقي للدولة والمجتمع او بناء نظام اقتصادي تنافسي منتج للثروة يؤمن حماية اجتماعية شاملة، ويضمن إشعاع وريادة البلد في محيطه الإقليمي والدولي، دون ارساء تعليم عالي عمومي ذو جودة عالية ومحفز للابداع والابتكار، لكن ما يلاحظ أن التعليم العالي والبحث العلمي بالمغرب و معه الجامعة المغربية يعيش ، على إيقاع أزمة هيكلية، تمس جوانب مختلفة: بيداغوجية وتدبيرية.
و بالفعل لقد تفجرت في الآونة الأخيرة قضايا سوء تدبير مباريات التوظيف مع يرافقه من شبهات وطفت على سطحها اختلالات في تدبير وابرام الصفقات العمومية مع ما يستتبعها من هدر للميزانيات. وهي اختلالات يتم تكريسها بسبب غياب تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة من جهة، ومن جهة أخرى بسبب افتقاد بعض المسؤولين لمقومات النزاهة و القيادة المسؤولة المفترض توفرها في كل مسؤول يدير شؤون مؤسسة عمومية.
وتبقى المدرسة الوطنية للذكاء الإصطناعي والرقمنة ببركان والتي أثار التدبير بها ولا زال الكثير من التساؤلات، بالنظر إلى حجم التعثر والخلل الذي تفجر في الآونة الاخيرة، وتداوله الاعلام الجهوي والوطني.
وها نحن اليوم أمام مشهد جديد، من فصول كتاب اختلالات قد لايطوى في حال لم يتم تشريحة ابتغاء لبسط المسؤوليات، ومايلازمها من الإدانة وترتيب الجزاءات انظباطا لآلية المسؤولية المقترنة بالمحاسبة.
وفي تفاصيل القضية الجديدة التي ستسيل الكثير من الحبر في اوساط الأوصياء على حقل التحصيل العالي، فقد أثار إصدار المدرسة الوطنية للذكاء الإصطناعي والرقمنة ببركان إعلانا تعلن من خلاله عن فتح مباراة ولوج سلك المهندسين برسم السنة الجامعية 2023/2024، استغراب المتتبعين والمهتمين بالشأن الجامعي، ومعهم الرأي العام بالجهة الشرقية.
هذا واعتبر المتتبعون هذا الاعلان شاردا حيث انه صدر عن ادارة “مخفية” لايعرف لها عنوان ولم يقرر لها تعيين او حتى تكليف، فضلا على ان الاعلان جاء متؤخرا وخارجا عن الزمن الجامعي، إذ أن الدخول الجامعي مفترض فيه حسب المذكرة الوزارية المنظمة له أن يتم في شهر شتنبر، في حين أن مدرسة المهندسين يفترض فيها الريادة تفتتح ابوابها في شهر دجنبر، بل إن الدراسة بها ستنطلق حتى شهر يناير 2024، اي مستهل الفصل الربيعي، الأمر الذي سيختزل 32 اسبوع المخصصة للتدريس الى 20 اسبوعا في فصل واحد.
إلى ذلك لم يتوقف الاختلال على توقيت فتح المباراة، بل تعداه الى شروطها، حيث أن المباراة ساوات بين حاملي دبلوم الإجازة، في معاكسة صريحة ومخالفة بينة للظوابط البيداغوجية لسلك المهندسين والذي ينص على أن ولوج حاملي الإجازة لسلك المهندسين يتم عبر مايصطلح عليه “بنظام الممرات “، مباشرة للسنة الثانية من سلك المهندسين وليس السنة الأولى.
ولا يمكن المرور على هذا الوضع دون تسجيل هفوة أخرى يبقى بسط تفاصيلها أجدر بالالتقاط، باعتبار أن المباراة السالفة الذكر اشترطت حصول المترشحين على ثلاث ميزات في اربع فصول الأمر الذي يرجح دون ادنى شك كفة الخريجين الحاصلين على DUT، الذين ينجحون دون استثناء باربع ميزات مما يجعلهم مقبولون اتوماتيكيا دون أي معيار للاستحقاق في المباراة، في حين يمارس الانتقاء على المجازين، ويفرض عليهم في حالة النجاح الولوج للسنة الأولى عكس ما تقتضيه للظوابط البيداغوجية.
والسؤال الحارق في هذا الصدد هو كيف لمدرسة للمهندسين في مجال تكنولوجي حديث كالذكاء الاصطناعي أن تفتتح ابوابها دون التوفر على “الأقسام التحضيرية المدمجة” الكفيلة بتحضير الطلبة لمتطلبات هذا السلك الخاص، وما الذي منع المسؤولين من فتح ابواب المدرسة لحاملي البكالوريا كباقي مدارس المهندسين؟
وعطفا على ما سبق يرى الكثير من المتابعين وبعميق الاستياء، ان عملية القفز من خارج الاستحقاق لمدارس المهندسين والمؤسسات ذات الاستقطاب المحدود غدت عملية ممنهجة، يتم تدبيرها في الكواليس بآليات لا تنظبط الى القوانين المنظمة.
وعلى خلفية هذا الاختلال، وكل هذه الثعثرات، خرجت ساكنة بركان عن صمتها ممتعضة من هكذا حال والذي وصفه الكثيرون بالعبثي، مجسدة موقفها الرافض لهذا الافتتاح الغريب من خلال “المبادرة المحلية للدفاع عن النواة الجامعية” ، والتي حذرت من خلال بيانها من التوظيف الانتقامي او استثمار الفرع الجامعي ببركان في دعم ملف الترشح للترقية او مناصب عليا، كما ورد في ذات البيان الذي أصدرته يوم 27 نونبر ، والذي توصلت القضية 24 بنسخة منه.
هكذا نسجل وبكل تأكيد وبناء على رزمانة المعطيات المتاحة وواقع الحال المشهود أن راهنية التعليم العالي لا تبشر بالخير، وتعيش المنظومة أزمة شاملة استدعت اطلاق وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار ورش اصلاحي تحت عنوان المخطط الوطني لتسريع تحول منظومة التعليم العالي و البحث العلمي والابتكار.
إلى ذلك يبقى التأسيس للمنهجية التشاركية هو المدخل الحقيقي الوحيد لإنجاح أي إصلاح، خصوصا وأن التعليم هو مسألة مجتمعية ترهن مستقبل الأجيال القادمة لعقود، وبالتالي يجب إخراجها من دائرة التدافعات الحزبية والمقاربات السياسية أو المصلحية الضيقة، كما يحدث في بعض الجامعات المغربية، وبذلك أصبح لزاما على الوزارة الوصية التعاطي بالصرامة والجدية مع أليات تعيين المسؤولين عن طريق استحضار الكفاءة وتكافؤ الفرص وربط المسؤولية بالمحاسبة وفق معايير ومؤشرات قابلة للقياس وللمتابعة الدورية.