“الاستلاب الثقافي في المغرب: حين يصنعون شعباً غريباً عن نفسه”

الرباط اليوم
بقلم: ربيع مزيد
لطالما كانت الثقافة المغربية هي الدرع الواقي لهوية الشعب المغربي، تقيه رياح الاستلاب وتحميه من الذوبان وسط أمواج الأدلجة العاتية. من فنون عريقة إلى معمار أصيل، ومن تقاليد اجتماعية متجذرة إلى نظم حضارية فريدة، ظل المغرب ينحت شخصيته عبر الزمن، متمسكاً بجذوره، منفتحاً على العالم دون أن يفقد ذاته.
لكن الدولة، ولعقود، سارت في اتجاه معاكِس. فبدل أن تعزز هذا الرصيد الحضاري، انخرطت في مشروع ناعم وممنهج لاحتقار كل ما هو مغربي، عبر المدرسة والإعلام، حيث جرى الترويج لصورة دونية عن الذات الوطنية، مقابل تمجيد ثقافات مشرقية وغربية. هكذا تم تصنيع أجيال مستلبة، فاقدة لبوصلتها، ترى الآخر دوماً متفوقاً، وتنظر إلى إرثها بتعالٍ أو خجل.
لقد صُنع شعب جديد لا يشعر بانتماء حقيقي إلى تربته الثقافية. شعب تتقاذفه المرجعيات الخارجية، وتُستثار حماسته لقضايا بعيدة عنه لا تمس جوهر معاناته اليومية. إنه شعب قابل لأن يثور، لكن لا ضد قهره الاجتماعي أو الاقتصادي، بل ضد سراب ثقافي أو ديني أو أيديولوجي صُنع له بعناية.
وحين يحطم هذا الشعب المستلب أسس دولته ومجتمعه باسم تلك القضايا البعيدة، سيجد نفسه في النهاية أمام الفراغ، أمام خراب شامل لا يملك مفاتيح تجاوزه. سيكتشف حينها، ولكن بعد فوات الأوان، أنه كان يحطب في نار غيره، وأنه خسر ذاته ودولته معاً.
إن ما يحدث اليوم ليس مجرد انفصال ثقافي، بل هو قطيعة خطيرة مع شروط الاستقرار نفسه. ومثلما أن الاستعمار الثقافي كان مقدمة للاستعمار العسكري، فإن الاستلاب اليوم ينذر بانفجارات اجتماعية قد لا ترحم أحداً.
لهذا، فإن إعادة الاعتبار للثقافة المغربية الأصيلة لم تعد خياراً ترفياً أو خطاباً فولكلورياً، بل هي ضرورة وجودية. فالشعب الذي يعرف نفسه ويعتز بها، وحده قادر على أن يبني مستقبله بصلابة ووعي.