التعديل الحكومي المأمول و ولادة اللجنة التنفيذية لحزب الإستقلال: أي تعديل يريد المغاربة؟

الرباط اليوم
مع كل نصف ولاية حكومية، تعود المغاربة على سماع أخبار عن وجود تعديل حكومي، أو تغيير وزاري بمعاني متعددة. قد يكون المعنى الأول هو تعديل أسماء شخصيات الوزراء فقط، أو يمكن أن يشمل ترتيبا قطاعيا بتبادل المهام على رأس وزارات بين الأحزاب المتحالفة استعدادا للانتخابات المقبلة، أو قد يكون أحيانا تعديلا يقحم حزبا جديدا أو شخصيات غير متحزبة في الحكومة. غير أن المعنى الأهم في التعديلات أو الترتيبات الحكومية المفترضة، هي إعطاء نفس سياسي جديد بإدخال لاعبين جدد لهم من القدرة ما يكفي للتنفيس عن المغاربة، بضخ أفكار جديدة لتدبير الملفات العالقة أو الصعبة، وباقتراح مشاريع قطاعية أكثر نضجا نحو المستقبل.
المفارقة هذه المرة أن التعديل الذي ألفه المغاربة، حتى كاد أن يصبح عرفا دستوريا وسياسيا ملزما، هو أنه تعطل وتجاوز فترة نصف الولاية الحكومية لمدة تزيد عن نصف عام، فكثر الكلام حول الموضوع بكثير من الترقب والانتظار والتكهن. وقد تعددت التساؤلات عن أسباب هذا التأخير في سماع خبر التعديل الحكومي. منها من ذهبت إلى كون الأحزاب المشكلة لتحالف الأغلبية غير جاهزة وبعضها يعاني من وجود اختلالات تنظيمية داخلية وعدم التوافق في القيادات، كما كان حدث مع أزمات حزب الأصالة والمعاصرة الداخلية بسبب مشاكل وصراعات داخلية، أو مع حزب الاستقلال، بعد أن تأخر في عقد مؤتمره لتجديد هياكله، ثم الانتظارية التي ارتبطت بإعلان عقد مجلسه الوطني واتمام ما تبقى من حلقات تنظيمية أهمها تنصيب وتسمية اللجنة التنفيذية لحزب الميزان.
وها هي أمور حزب علال الفاسي تسير نحو الانضباط التنظيمي، ونحو ترتيب مؤسساته وفق خطاب ومعايير جديدة لولوج المسؤوليات الحزبية، بعد الدعوة إلى عقد مجلسه الوطني يوم السبت 5 أكتوبر المقبل لإعلان أسماء أعضاء لجنته التنفيذية، بذلك يعود السؤال من جديد عن أي تعديل حكومي يمكن أن يشمله النقاش العمومي المغربي؟ هل هو تعديل كباقي تعديلات الأزمنة الماضية، بعضها من منطلق الترضيات وتسوية خلافات الأحزاب على حساب زمن الدولة والمجتمع، أم من منطلق الاستعداد إلى زمن انتخابي جديد، أم من منطلق إعطاء دفعة سياسية جديدة للعمل الحكومي وإعادة ترتيب القطاعات العمومية، للبحث عن حلول لمشاكل مستعصية، ابرزها الغلاء وضعف القدرة الشرائية للمغاربة، أو من منطلق تعديل حكومي موسع وعميق وفق هندسة قطاعية “أنيقة” وفاعلة مراعاة للتحديات الداخلية والخارجية في أفق تقديم المغرب لنفسه كقوة في تنظيم كأس العالم 2030؟
أي تعديل يريد المغاربة وأي زمن اصلاحي مطلوب من حكومة أخنوش؟
في هذا السياق، كان من المفترض أن تدخل حكومة أخنوش سنة 2021، بعد إزاحة حزب الإسلاميين من تصدر المشهد، أن تعكف على زمن اصلاحي قوي أساسه فلسفة النموذج التنموي الجديد في بنوده المرتبطة باصلاح المدرسة والإدارة والاقتصاد والانعاش الثقافي للمجتمع، وحول أهدافه الكبرى المنتظرة في تدعيم مؤسسات الدولة في تخليق الحياة العامة ومحاربة الفاسد وربط المسؤولية بالمحاسبة، والرقي بالتواصل المؤسساتي والسياسي بعد عشر سنوات من الشعبوية، ثم دعم قدرات المواطن على العيش بكرامة في جو من الحريات والحقوق. غير أن المراقب للتدبير الحكومي لا يخرج عن وجود قناعة مفصلية، وهي أن الحكومة الحالية ظلت تجتر وراءها مقاربة “روتيني اليومي”، في استعراض منجزات منتقاة، ويعيش بكثير منها مطبات ومعيقات وعدم جدوى أو تأثير، ومن ابرزها تنزيل ورش الدولة الاجتماعية، الذي فقد معناه، مع وجود شبكة ليبرالية من التركيز الاقتصادي والاحتكار والتحكم الفئوي في السوق. هذا الوضع أغرق المواطن في حرب ضروس، يومية مع أثمنة الخضر واللحوم وغيرها. وبدل أن يكون ذهن المواطن ينعم بصفاء اللحظة الحكومية الجديدة، أصبح ذهنه مزرعة أو بورصة افتراضية، ليس فيها أسهم أو ارباح، تزعجه فيها نقنقة الدجاج، وثغاء خروف عيد الأضحى، إضافة إلى ترامي الخضر والفواكه وسباحة الأسماك في عقل “إنسان ما بعد حكومة بنكيران”.
في هذا الزمن الذي تحول فيه المواطن إلى مجرد كيس كبير، يبحث عما يملأ به نفسه من بضاعة أصبحت غالية في زمن أخنوش، لم يعد هناك نقاش حول ماهية التعديل الحكومي “المنتظر”، وتم نسيان الزمن الاصلاحي الموعود الذي سيتم تذكره في اللحظة القصيرة والعابرة في إنتخابات 2026.
أي التعديلات أفضل وأحسن: تعديل “روتيني اليومي الحزبي” بتغيير الأسماء أم تعديل سياسي جدي وعميق في أسلوب العمل الحكومي وتغير نمط التدبير؟
لقد عاش المغاربة تعديلات حكومية كثيرة لم يكن منها طائل تدبيري جديد، سوى زيادة عدد الوزراء لإخماد الصراعات الداخلية بدون أي نفس سياسي متجدد، لاسيما على مستوى التواصل وعلى مستوى ابداع حلول اجتماعية واقتصادية جديدة، ولا يلامس مبدأ الكفاءة والاستقامة. فأن يأتي إسم شخصية بدل أخرى قد لا يكون مفيدا البتة، لأنه في آخر المطاف ما يهم هو القيمة المضافة التي يحملها الشخص إلى المنصب وليس العكس كما نرى كثيرا. ثم إن المنصب الوزاري يستحق أن يكون لشخصية ذات قدرة على إضافة حزمة إجراءات جديدة تنعش العمل السياسي، وتعتق رقبة المواطن من حصار “روتينه اليومي” بين الأسواق. المفروض أن يأتي إلى المنصب ذو معرفة بالواقع وذو حس اصلاحي نظيف وحقيقي.
قد يكون أحد المطالب المشروعة في النظر في التعديل الحكومي “المنتظر”، هي أن يكون مبني على رؤية حقيقية للمشاكل و لكيفية مواجهتها. فالمرحلة الحالية مليئة بالتحديات ونزاعات ومواجهات خارجية عنيفة وتحديدا في الشرق الاوسط، لن ترحم المغاربة في حال اذا ما توسعت وقطعت خطوط التجارة والطاقة، تنضاف إليها المشاكل المتراكمة التي خلفها ضعف بعض القطاعات الحكومية ولعل ابرزها قطاع الفلاحة والشغل وأيضا التعليم والثقافة والتواصل.
من هنا يمكننا أن ننظر لما يتمناه المغاربة، أن يكون هناك تعديل يفارق منطق الترضيات أو منطق الغنائم والأنانيات، أو منطق الاستحواذ وهيمنة الحزب الأغلبي الأكبر، فالمطلوب أن ينشيء نمط جديد وتقليد مبدع لمفهوم التعديل، بإعادة ترتيب القطاعات وإعادة هندستها، وتشبيكها من منطلق الفعالية والجدية والنجاعة. ترتيب بمعنى سياسي، يعيد للسياسة دورها في التواصل مع المجتمع، بعد أن ساهمت هذه الحكومة بشكل مقلق في تحويل المجتمع المغربي إلى جمهور ينتظر شيئا ما، جمهور لايتفاعل وينتظر رئيسها للخروج من حين لآخر للتحدث عبر التلفزة المملوكة للحكومة، عن منجزات الدولة الاجتماعية الغارقة في المشاريع الليبرالية القاسية على المواطن.