الريف في مغربه والمغرب في ريفه: وحدة تاريخية تتحدى المؤامرات
الرباط اليوم
في خضم التحولات الإقليمية التي تشهدها المنطقة، لا تزال منطقة الريف المغربية محط أنظار بعض الأطراف الدولية التي تسعى لاستغلال الأوضاع الجيوسياسية لتحقيق أهدافها الخاصة. أحدث هذه التحركات تمثل في مزاعم دعم دول مثل الجزائر، وموزمبيق، وجنوب أفريقيا لما أسموه “حق تقرير المصير” في الريف، وهو تطور أثار استنكارًا واسعًا داخل المغرب، وفتح الباب لنقاش أوسع حول مفهوم تقرير المصير ومخاطر التدخل الأجنبي في قضايا السيادة الوطنية.
بعدما أيقنت الجزائر أن قضية الصحراء المغربية بلغت مراحلها النهائية نحو حل سلمي وسياسي في إطار مقترح الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب ونال دعمًا دوليًا واسعًا، بدأت في اللعب بورقة جديدة. هذه الورقة تهدف إلى زعزعة استقرار المغرب مجددًا، عبر محاولات يائسة لدعم ما يسمى بجمهورية الريف الوهمية.
لكن ما يجهله نظام الكابرانات هو أن الريف في مغربه، والمغرب في ريفه، وأن هذه المنطقة كانت دائمًا جزءًا لا يتجزأ من الوحدة الترابية للمملكة، بشعبها المقاوم وتاريخها العريق الذي شهد بطولات أبنائها ضد الاستعمار والطامعين.
لطالما ارتبط مفهوم تقرير المصير برغبة الشعوب في تحقيق استقلالها السياسي والاقتصادي، لكنه تحول في بعض السياقات إلى ذريعة لتفتيت الدول وإضعافها. التجربة مع جبهة البوليساريو في الصحراء المغربية مثال واضح على هذا النوع من التدخل، حيث دعمت أطراف معادية للمغرب، وعلى رأسها الجزائر، كيانًا انفصاليًا أدى إلى حالة من عدم الاستقرار الإقليمي لعقود.
دعوات “تقرير المصير” التي تروج لها بعض الجهات المعادية ليست سوى استمرارية لنهج استغلالي يهدف إلى زعزعة استقرار المغرب وتقويض سيادته. ومع ذلك، يظل التساؤل قائمًا: كيف يمكن لمفهوم كـ”تقرير المصير” أن يكون شرعيًا إذا كان يُفرض من أطراف أجنبية لا تكترث بمصير الشعوب، بقدر ما تسعى لتحقيق أجنداتها الخاصة؟
منطقة الريف، بمواردها الطبيعية الغنية وساحلها المتوسطي الاستراتيجي، كانت دائمًا هدفًا للأطماع الخارجية. على مر التاريخ، حاولت العديد من القوى الدولية استغلال الأوضاع في المنطقة لتحقيق مكاسب جيوسياسية أو اقتصادية. ومع ذلك، أثبتت التجربة أن هذه التدخلات لم تحقق إلا الخراب والفوضى، بينما ظلت إرادة الشعب المغربي، بمكوناته المختلفة، صامدة في وجه كل هذه المحاولات.
واليوم، يأتي تحرك الجزائر عبر دعم فكرة “جمهورية الريف” كمحاولة فاشلة أخرى لزعزعة استقرار المغرب، رغم أن التاريخ يؤكد أن سكان الريف كانوا دومًا في مقدمة المدافعين عن وحدة الوطن وسيادته وملكه.
إن التحدي الأكبر أمام المغرب اليوم ليس فقط في التصدي للمؤامرات الخارجية، ولكن أيضًا في تعزيز الوحدة الداخلية. منطقة الريف، برغم ما مرت به من تحديات، كانت دائمًا جزءًا لا يتجزأ من النسيج الوطني. ومن هنا تأتي أهمية الحوار الداخلي لمعالجة أي مطالب أو تطلعات، بعيدًا عن أي تدخلات أجنبية.
تاريخ الريف شاهد على صمود أهله أمام القوى الاستعمارية والطامعة. ورغم المحاولات المتكررة للنيل من هذه المنطقة، ظلت إرادة سكانها مرتبطة بوحدة المغرب واستقراره. ومن المهم أن يتم البناء على هذا التاريخ المشترك لتعزيز الثقة بين الدولة والمجتمع المحلي في الريف، والعمل على تحقيق التنمية الشاملة التي تضمن العدالة والمساواة.
التاريخ يعطينا أمثلة لا حصر لها على فشل التدخلات الأجنبية في تحقيق استقرار حقيقي للدول التي تدعي أنها تسعى لمساعدتها. من العراق إلى ليبيا، كانت النتيجة دائمًا واحدة: الفوضى والخراب. ومن هنا، يجب أن يكون الريفيون على وعي تام بمخاطر السقوط في فخ الدعم الخارجي الذي لا يخدم إلا مصالح الجهات المعادية.
إن الحفاظ على وحدة المغرب وسيادته مسؤولية مشتركة تقع على عاتق جميع أبنائه، سواء في الداخل أو في الشتات. ومنطقة الريف، بتاريخها وموقعها، ليست استثناءً. يبقى الحل الأمثل دائمًا هو تعزيز الحوار الداخلي والعمل المشترك لتحقيق التنمية والاستقرار، مع التصدي بحزم لأي محاولات لتفتيت الوطن أو زعزعة استقراره. وكما صمدت منطقة الريف أمام أطماع الماضي، فإنها اليوم قادرة، بفضل وعي أبنائها، على مواجهة تحديات الحاضر والمستقبل.