بنكيران أمين عام من درجة “عساس”!

الرباط اليوم
كان بعض المغاربة، وربما لازال عدد منهم، يعتبرون عبد الإله بنكيران الأمين العام الجديد/القديم لحزب الإسلاميين بالمغرب، ذئبا سياسيا فطنا ذكيا وشجاعا! غير أن الذئاب لا تقدم عروضا في السيرك، كالأسود والنمور والحمير والقردة، فهي صاحبة شموخ وعزة نفس و تحرص على هيبتها، ولو كانت منفردة خارج القطيع، بعيدة عن وكرها!
لاشك أن بنكيران يترأس حزبا يعج بالشباب المتدين المتطابق مع أفكار الحركات الإسلامية داخل المغرب وخارجه. ولا ريب أن هؤلاء الشباب تشبعوا مما عاشوه في عشرية مشاركة حزبهم في السلطة، وأنهم عاينوا تلك الصراعات الخطابية الصاخبة بين مكونات المشهد السياسي الوطني. لقد كان زعيمهم بنكيران أحد أهم أقطاب هذه المواجهات، لاسيما منذ ظهور حزب الأصالة والمعاصرة.
كانت سنة 2011، سنة الربيع الذي لم يثمر كثيرا على مستوى تنزيل شعارات الشباب وجعلها تزحف على أرض الواقع، فكانت تلك السنة وما بعدها، سنوات رفع فيها الستار عن اخراج مكبوتات السياسيين، تجسد ذلك في حلقات السب والشتم والعنف اللفظي بشكل غير مسبوق في تاريخ المغرب.
وبعدما انخرط حزب الإسلاميين في كل مفاصل الحياة المغربية، وبعدما حقق نجاحات فرجوية استهلاكية تنفيسية وخطابية قاصمة، استعملت فيها لغة الحيوانات وكثافة الرموز الغامضة، وكثير من الاستعراضات والنكت والضحك بسبب أو بغير سبب، ولما كانت الأولوية هي جمع الحشود وتضخيمها، ولا يهم تطلعات الجيل الشاب الذي خرج للشوارع، ولا بناء أسس سليمة لممارسة سياسية صادقة وحقيقية، بعدما كل ذلك صدموا بالفشل والتراجع!
وبعدما حققت الدولة ما حققت من منجزات بحضور الإسلاميين في السلطة، سدل الستار مرة أخرى، على مشهد تراجيدي، بكت عليه البواكي على جدران حزب الشيخ بنكيران. أطفأت فوانيس خشبة مسرح لم تعد لها جدوى أو فعالية، فانفض الجمع وخفت الضجيج، وتضاءل العدد، وانصرف الحشد إلى الضياع. ذلك بعدما حل محل الفوانيس الباهتة مصابيح led، قوية الطاقة وإنارتها تعمي الأبصار.
فصار بذلك من اللازم على اخوان بنكيران، البحث عن طريق العودة إلى الخشبة وإلى الساحات العمومية، والخروج من جديد من ذلك الكهف المظلم، ومن ذلك المحراب الذي صلت فيه الجماعة ذات زمن قبل أن تنفض قيادتَها يدها من قيادتِها. الصورة الجماعية التي تلت الخروج من الخشبة تبرز وجود جحافل وجماعات من شباب مهيأ للدعوة إلى التدين، وإلى نصرة الإسلام والمسلمين في المغرب وفي كل بقاع الأرض. زمر من شباب رضعوا من لسان خطباء البيجيدي، ثم فطموا على عجل، فتشتتوا في الدروب بدون زعيم يرضعهم مرة أخرى، وينفس عنهم غبن الإفلاس، وغبن فقدان القدرة على الخصومة وغبن الضعف في مهاجمة الجميع، وغبن تخلف مشاريع الرقي الاجتماعي!
كل هذا المشهد، يوحي بأن هذه الجماعات داخل الحزب الإسلامي، خصوصا من فئة شباب ربيع 2011، أصبحت في حيرة من مآلها! أتبحث لها عن جماعات للعمل السري، أم تبحث عن منهج للتسلف المستورد المتشدد، أم تعلن كفرها بالدولة وتتبنى خطاب جاهلية الدولة وضرورة محاربتها، ولعم في ذلك حجة، وهي فقدان حزبهم رتبته “الفطرية” بفعل فاعل متمخزن كما زعموا؟
لذلك فإن عودة بنكيران لتنشيط الحزب من جديد، ولبث الدفئ في مواجهات الحياة السياسية، التي صارت باردة و أكثر رتابة وضعفا، قد تكون حلا مؤقتا لمدمني سنوات الفرجة والمواجهات السياسية، التي ابتلي بها جيل بأكمله تقريبا من رواد الشبكات الاجتماعية، ومن الاعلاميين و من منتسبي الأحزاب.
مهمة بنكيران هذه المرة تبدو مختلفة. فهي لم تعد مرتبطة بغاية تحقيق أي فوز انتخابي، سواء فوزا كاسحا استجابة للشارع، أو حتى جزئيا للتوازن المؤسساتي، وإن كان يتظاهر بهذا الأمر، رغم أن ذلك صار على ما يبدو من التاريخ. مهمته الجديدة مرتبطة بعقل وتصفيد من قد يتحول إلى فئة من “الشياطين” داخل تنظيمه. لقد صار يحمل عصى تشبه ما نتخيله عن عصى نبي الله موسى عليه السلام الآية: ( اتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى)، أو عصى نبي الله سليمان عليه السلام، تلك العصى، التي كان يتكئ عليها ليظل واقفا، والتي أكلتها دابة الأرض لتدل الجن عن انقضاء أجله المحتوم، الآيات: (فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب، والشياطين كل بناء وغواص وآخرين مقرنين في الأصفاد، هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب، فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين).
هكذا خر سيدنا سليمان عليه السلام، بعدما سخر له الله كل شيء، من الجن و الانس والطير، الآيات: (ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير، يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات)،
فلكل شيء نهاية مقدرة والبقاء والدوام لله.
الآن أمامنا مشهد جديد، هو عودة أو استمرار بنكيران على رأس الحزب. هو تقليد واستمرار مغربي يرفض قطيعة الفجأة. استمرار تمليه ضرورة “أمنية” استراتيجة لحراسة “الجماعات” داخل البيجيدي، والنيابة عن هذه “الجماعات” داخل التنظيم وخارجه بغية تصريف رغباتهم الجامحة في مهاجمة الخصوم أو لصناعة خصومات جديدة، فلن يجدوا أفضل منه ليقوم بذلك!
ومن باب الإستعارة وبلاغة الخطاب التي يحبذها بنكيران كثيرا في معاملة خصومه، فإن وظيفته المستحدثة قد تدخل ضمن مهام “العسس” لحراسة “القطيع” من الانزلاق نحو الغابة، أو من تعرضه للجر نحو ظلام أكثر كثافة، أو ربما لتدريب الذئاب على السياسة ثم على تقديم عروض داخل السيرك، في أفق كأس العالم 2030، إلى حين ظهور الزعيم المقبل، الذي يفترض فيه أنه قد تعلم جيدا فنون ترويض الذئاب السياسية، وتنشيط مواسم الخصومات الانتخابية!