الرئيسية | رأي اليوم

تسويق الكتاب وتألق الكاتب

نشر في 8 يونيو 2024 - 21:26

تشكل معارض الكتب فرصة للتألق الثقافي، ومناسبة للتنافس الأدبي. فهو سوق وبورصة قيم الكاتب والمكتوب، تعلو فيه أسهم بعض، وتهبط أخرى. فالكتاب عند خروجه من بين يدي مؤلفه، يقطع مراحل، ويمر من محطات قبل أن تحتضنه يدا القارئ، بدءا من الناشر، مرورا بالموزع والكتبي، ثم يتدخل الناقد فيخضعه للتعديل والتجريح، فيساهم بقدر أو آخر في التعريف بالكتاب، والرفع من نسبة تداوله. وهي المهمة التي يمارسها اليوم بعض صناع المحتوى الرقمي، ومن يُدعون بالمؤثرين الأكثر متابعة من قبل الشباب خصوصا.

دفاعا عن الكتاب وليس عن الكاتب:
لا تخلو مناسبة ثقافية تتعلق بالأدب والأدباء، والكِتاب والكُتاب، إلا وتحضر القراءة وسوء مآلها، وبوار الكتاب وإفلاس الكاتب. بعد تألقهما حينا من الدهر، وهو بالضبط ما يصطلح عليه بالزمن الجميل. أما الحاضر فهو بئيس، بؤس ما تنفثه مواقع التواصل الاجتماعي، التي تربعت على عقول وأفئدة الكبار والصغار، وحشرت الكُتَّاب في زاوية يصارعون من أجل البقاء. يقفون على الجبهات الأمامية لدحض كل “المزاعم والمؤامرات” التي تحف برمز المعرفة وسراج الأدب، ليس ماضيا فقط، بل حاضرا ومستقبلا. يشهد على هذا، الرجوع المظفر للكتاب إلى المقاعد الدراسية في أوروبا والبلدان الآسيوية، كوسيلة بيداغوجية. بعدما أبان اعتماد الحاسوب بشكل كلي، قصورا في تنمية مدارك وقدرات ثرة، عقلية وعاطفية. وقد كانت هذه العودة منتظرة، لكون الحاسوب مقروء بشكل أو بآخر، لكن لا يسد ما يسده الكتاب. وهو ما يمهد للعودة إلى الكتاب عاجلا ام آجلا، كما سبق أن تنبأ بذلك المفكر المغربي الصغير جنجار، خصوصا بالنسبة للشباب، “والعود أحمد”.

هذا العود الذي لاحظه الجميع، وتحدثت عنه طائفة من المثقفين والإعلاميين بإعجاب من طرف البعض، وبالطعن والتنقيص من الكاتب والقارئ من طرف آخر. حدث هذا في معرض القاهرة والكويت والرباط أخيرا، حيث يتدافع الشباب بشكل غير مسبوق في الوطن العربي، للظفر بنسخة من كتاب موقع من كاتبه، رغم ارتفاع ثمنه مقارنة مع مثيله من روايات. الشيء الذي اعتبر ظاهرة تستحق أن يُلتفت إليها، وتُسلط عليها عدسات وأقلام الصحفيين. كما لم تسلم الظاهرة من استبشار بعض المثقفين، حيث أعادت الأمل في إمكانية الصلح بين الكتاب والقارئ، بعد أن أصبحت التنافر المزمن بينهما، واقعا لا بديل عنه، والعزوف عن القراءة، أمرا محتوما لا مرد له، فرضه التقدم التكنولوجي، والتطور التاريخي. لكن جمهرة غيرهم، لم يألوا جهدا في اصطياد كل شاردة وواردة، وكل نقيصة تحط من قيمة المنجز الأدبي وصاحبه السعودي، إلا وتم التسطير تحتها بكل الألوان، وإبرازها للعيان.

ويمكن تلخيص مجمل آراء هذا الاتجاه في تصريح محمد جبرون، الذي اعتبر ما حصل مع أسامة المسلم، لا يخرج عن رقعة الرداءة، وخروجها من تفاهة تيك توك إلى أرض الواقع. تصريح يمكن اعتباره رد فعل، أكثر منه رأيا من مؤرخ وأديب حصيف، خبر شجون الأدب، وعلاقته مع التقلبات التاريخية صعودا وهبوطا، لا يجد البعض من تفسير له، غير ما ورد على لسان الدكتور نفسه، حين أبان عن صدمته وفشله كغيره من الأدباء، في بناء علاقة مع جيل أو فئة تقرأ ويهمها الكتاب. فما الذي حضر في روايات أسامة المسلم، وغاب في كتابات غيره من الأدباء؟

أسامة المسلم متحدثا عن أدبه:
لعل نجاحه في استقطاب شريحة الشباب خصوصا، يكمن في تملكه آليات سبر أغوار أفئدتها موضوعا وأسلوبا، عنوانه: “محاكاتهم” من خلال الشخصيات التاريخية. فلقد آمن الرجل أن المشاكل هي نفسها منذ آلاف السنين، والناس لهم نهم وشغف بالفانتازيا، فلماذا لا نقدمها بشخصيات عربية، متناولة قضايا وهموما معاصرة؟ ولعله النهج الذي سبقه إليه ابن المقفع في ألف ليلة وليلة. لكن مع تغيير بل تكسير قوالب الأدب القديم، حتى تستجيب لحاجات القراء الجدد وأذواقهم، والتي حتما تختلف عمن سبقهم، فالتجدد ضمان البقاء والاستمرار. حصل هذا ماضيا، ويحصل حاليا، وسيبقى الحال ذلك في المستقبل. وكلنا يعلم حكاية سلاسل هاري بوتر الأكثر مبيعا في العالم، والتي ترجمت لأكثر من ثلاثين لغة، بعدما كانت صاحبتها مطرودة من أبواب دور النشر، كما أسامة المسلم وغيره، الذين يتحملون تكاليف الطبع والتوزيع، حتى يحفر لنفسه اسما وموقعا في خريطة الأدب الشاسعة مساحتها، “أليس الأدب كفاحا، والكفاح أدبا؟” كما نادى برناردشو.

ولعل نقطة القوة في كتابات المْسْلَّم، تُطمئن الآباء والأمهات وهم يسلمون أبناؤهم لـ: الخوف / الساحرة الهجين / صراع الملكات العرجاء / عصبة الشياطين… وغيرها من روايات الأديب السعودي التي فاقت الثلاثين، خُلوها من بهارات: الدين، الجنس، السياسة، وبهذا نُعتت بالكتابة الآمنة. ولئن عاب عليه البعض تعاطيه لمواضيع خرافية من قبيل السحر، فإنه حجته أنه لا يدعو لممارسته، وإنما تبصير الأجيال بالسيئ من الفعل لتجنبه، وليس الدعوة لممارسته، تثقيفا على الخير، وتوعية بالشر. ويمكن مقارنة هذا بسلوك حذيفة الذي قال: “كان الناس يسألون الرسول (ص) عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني”. والأشياء بضدها تُعرف كما يُقال.

الأديب السعودي في عيون قرائه:
الذين يشكل الشباب قاعدتهم الكبرى، والذين يتسوقون كل معرفتهم من العالم الافتراضي، ومرتبطون به، أكثر من ارتباطهم بالواقع العيني والواقعي، الذي لا يعرفونه إلا من خلال الافتراضي. فمواقع التواصل الاجتماعي تؤثر بشكل كبير في نمط عيشهم، وتوجيه ميولاتهم وعاداتهم، ومنها العادة القرائية. وهي المهمة التي أدتها البرامج الثقافية التلفزيونية وباقتدار كبير، في دفع الناس إلى اقتناء الكتاب بعد لقاء صاحبه والسماع منه من خلال الشاشة الصغيرة في عزة انتشارها، كما جاء على لسان أكثر من معد لمثل هذه البرامج. فلهذا يصدق عليهم القول: “الأذن تعشق أحيانا قبل النظر”، فهم أحبوه قبل أن يقرؤوا له، والذين قرؤوا له تعلقوا برواياته، والجميع اصطف وبذل الغالي والنفيس من أجل الظفر بتوقيعه، وصورة إلى جانبه. فلما سئلوا: “لم كل هذا؟ أجابوا: “جينا نتلقاواه”، “رائع، وأسلوب زوين واعر”.

بهذه العبارات المقتضبة، الخالية من كل تكلف أو صنعة أدبية، لخص الكثير دوافعهم للتزاحم. ومن له حظ غير قليل من مؤلفاته، فقد وجد فيها الجواب الكافي والشافي لما يطرحه من تساؤلات حول عالم الغيب. وفي نظر آخر، يمثل أسامة المسلم المتحدث بلسانه الذي أُخرص في حضرة من يُعايش. فهو يتحدث عن حياته بكل همومها وتساؤلاتها. مكسرا بعض الطابوهات التي يتجنب الآباء الخوض فيها، كعالم الجن والسحر، “فكل محظور مرغوب”.

لعل الرسالة قد وصلت إلى ممتهني الأدب، تفاديا للهجرة إلى ضفاف أخرى، ليس من باب أن “زامر الحي لا يطرب”، بل لتغريده خارج ما يقتضيه الحال والمقال. فالأدب وإن كان لا وطن له، لكن رياح استيراده قد تقلع أوتادا، عمل أدباؤنا على غرسها منذ قرون خلت، فترسيخها واجب بالنفس وما ملكت.

 

loader-image
الرباط
الطقس في الرباط
2:02 ص, أبريل 21, 2025
temperature icon 10°C
غيوم متفرقة
93 %
1020 mb
0 Km/h
Wind Gust 0 Km/h
Clouds 40%
Visibility 6 km
Sunrise 6:48 am
Sunset 8:02 pm