تعزيز الشراكات الاستراتيجية: المغرب كمركز استثماري للصين في أفريقيا عبر مبادرة الحزام والطريق
الرباط اليوم
في 7 سبتمبر 2013، أعلن الرئيس الصيني شي جين بينغ عن مبادرة الحزام والطريق (BRI)، والمعروفة أيضًا باسم مبادرة الحزام الواحد، الطريق الواحد (OBOR)، وهي نسخة حديثة من طريق الحرير تهدف إلى إحياء وتوسيع طرق التجارة القديمة. كاستراتيجية عالمية لتنمية البنية التحتية، تهدف مبادرة الحزام والطريق إلى تعزيز الاتصال والتعاون الاقتصادي على طول طريق الحرير القديم، وهو شبكة من طرق التجارة التي ربطت الصين بأوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا لقرون عديدة. من حوالي 200 قبل الميلاد إلى القرن الرابع عشر، سهل طريق الحرير تبادل السلع والأفكار والثقافات بين الحضارات المختلفة وأسهم في تطوير التجارة والدبلوماسية والتبادل الثقافي. تهدف مبادرة الحزام والطريق إلى تعزيز الاتصال الاقتصادي على طول طريق الحرير القديم من خلال تطوير البنية التحتية المستهدفة.
طريق الحرير الاقتصادي، وهو حجر الزاوية في مبادرة الحزام والطريق، أسس شراكات اقتصادية كبيرة من خلال إنشاء شبكة من طرق النقل البرية التي تربط الصين بآسيا الوسطى وأوروبا والشرق الأوسط، بما في ذلك كازاخستان وباكستان وتركيا، التي ظهرت كنقاط رئيسية تستفيد من تحسين الاتصال وزيادة التجارة. ومع ذلك، فإن جزءًا من مبادرة الحزام والطريق، طريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين، يتألف من شبكة من الطرق البحرية التي تربط الصين بجنوب شرق آسيا وجنوب آسيا وأفريقيا. تشمل مبادرة الحزام والطريق أيضًا طريق الحرير الرقمي، الذي يهدف إلى تسهيل تطوير البنية التحتية الرقمية، مثل شبكات الجيل الخامس ومنصات التجارة الإلكترونية، لتعزيز الاتصال الرقمي والتعاون بين البلدان. علاوة على ذلك، تشمل مبادرة الحزام والطريق إنشاء عدة آليات مالية، مثل بنك الاستثمار الآسيوي في البنية التحتية (AIIB) وصندوق طريق الحرير، لتمويل مشاريع البنية التحتية ودعم التنمية الاقتصادية في البلدان المشاركة.
باعتبارها ملتقى الطرق بين أفريقيا وأوروبا والشرق الأوسط، يقدم الموقع الجيوستراتيجي للمغرب فرصة للاستفادة من مشاريع البنية التحتية لمبادرة الحزام والطريق. يمكن أن يعزز الانضمام إلى مبادرة الحزام والطريق العلاقات الاقتصادية مع الصين، وينوع الاقتصاد خارج القطاعات التقليدية، ويعالج الفجوات في البنية التحتية، ويضع المغرب كمركز للاستثمار والتجارة الصينية في أفريقيا.
تستكشف هذه المذكرة السياساتية الفرص والتحديات لمشاركة المغرب في مبادرة الحزام والطريق في تعزيز العلاقات الاقتصادية مع الصين. من خلال مراجعة شاملة للمبادرة والعلاقات الاقتصادية بين المغرب والصين، تحلل هذه المذكرة السياساتية المكونات والآليات الرئيسية لمبادرة الحزام والطريق وتحدد توصيات السياسات لصانعي السياسات المغاربة لتعزيز التنمية الاقتصادية المستدامة وتعزيز العلاقات الاقتصادية مع الصين مع تقليل المخاطر المرتبطة بمبادرة الحزام والطريق.
تدفقات التجارة والاستثمار بين المغرب والصين
شهدت السنوات الأخيرة زيادة كبيرة في تدفقات التجارة والاستثمار بين المغرب والصين. تشير أحدث البيانات المتاحة إلى أن حجم التجارة بين المغرب والصين بلغ 4.76 مليار دولار في عام 2020، بزيادة قدرها 2٪ عن الرقم السابق البالغ 3.7 مليار دولار في العام السابق. يعكس ذلك العلاقة الاقتصادية المتنامية المدعومة بمبادرة الحزام والطريق. وقع المغرب والصين العديد من الاتفاقيات في مختلف القطاعات لتعزيز علاقاتهما الثنائية، بما في ذلك الاتفاقيات المتعلقة بالتعاون الاقتصادي والتكنولوجي، التي تهدف إلى تطوير البنية التحتية وتحسين ظروف التجارة. كما تشمل المجالات الأخرى للتعاون حماية البيئة والتنمية الاجتماعية، بالإضافة إلى الصحة والسياحة والإعلام.
في قطاع الطاقة والبنية التحتية، تشمل المشاريع البارزة محطة الطاقة في جرادة، التي تديرها المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب (ONEE) في المغرب وشركة سيبكو الثالثة لبناء الطاقة الكهربائية (SEPCO III) في الصين. تستهدف الاستثمارات الصناعية والتكنولوجية تصنيع سخانات المياه بالطاقة الشمسية وإنشاء حديقة صناعية صينية-مغربية. تشمل هذه الاتفاقيات جزءًا من استراتيجية أوسع ضمن مبادرة الحزام والطريق. تتكون صادرات المغرب إلى الصين بشكل رئيسي من المنتجات الزراعية والمنسوجات، بينما تتضمن صادرات الصين إلى المغرب الإلكترونيات والآلات والمنسوجات. ومع ذلك، بذل المغرب جهودًا لتنويع صادراته إلى الصين من خلال الترويج لمنتجات مثل المأكولات البحرية وأجزاء السيارات والفوسفات. كما استثمرت الشركات الصينية في مختلف القطاعات في المغرب، مثل الطاقة المتجددة والبنية التحتية والعقارات.
فرص وتحديات المغرب في مبادرة الحزام والطريق
تشكل التعاون في مجال الطاقة محور التعاون الاقتصادي بين المغرب والصين. في السنوات الأخيرة، استثمرت الصين بكثافة في دعم قطاع الطاقة المتجددة في المغرب، بما في ذلك تطوير عدة مشاريع كبيرة للطاقة الشمسية والرياح. ساعدت هذه المشاريع في بناء قدرة المغرب على الطاقة المتجددة وتقليل اعتماده على الوقود الأحفوري. بالإضافة إلى تطوير الطاقة المتجددة، استكشفت الصين والمغرب فرص التعاون في قطاع النفط والغاز. في عام 2018، وقعت الشركة الوطنية الصينية للبترول مذكرة تفاهم مع المكتب الوطني للهيدروكربونات والمعادن (ONHYM) في المغرب لاستكشاف فرص التعاون، بما في ذلك تطوير خطوط أنابيب النفط والغاز والبنية التحتية الأخرى.
صناعة السياحة هي مجال مركزي للتعاون بين المغرب والصين في مبادرة الحزام والطريق. منذ إدخال سياسة إعفاء التأشيرات في عام 2016 وتخفيف القيود على السفر مؤخرًا، شهدت تدفقات متزايدة من الزوار الصينيين. يعتبر هذا أمرًا حيويًا لصناعة السياحة المغربية التي تتعافى بالفعل، حيث سجلت عددًا كبيرًا من 6.5 مليون سائح في النصف الأول فقط من عام 2024. كما شاركت الصين بنشاط في تطوير البنية التحتية السياحية في المغرب، كما هو الحال في مشروع مدينة طنجة التقنية محمد السادس. من المتوقع أن يجذب تطويرها مجموعة متنوعة من الصناعات، مما يزيد من جاذبية المنطقة وإمكانية الوصول إليها. في عام 2016، عملت الدولتان أيضًا على تعزيز الاتصال الجوي لتسهيل تدفقات السياحة، من خلال توقيع اتفاقية النقل الجوي لزيادة عدد الرحلات المباشرة بين الصين والمغرب.
التحديات
قد تكون عدم الاستقرار السياسي عقبة أمام نجاح مبادرة الحزام والطريق، ليس فقط في المغرب ولكن في بلدان أخرى على طول طرق مبادرة الحزام والطريق. قد يؤدي الاضطراب السياسي والنزاعات في بعض البلدان إلى مخاطر استثمارية وتعطل تدفقات التجارة، وقد يعوق تنفيذ مشاريع مبادرة الحزام والطريق. إلى جانب الفساد وغياب الإرادة السياسية القوية، قد تتسبب الأزمات الأمنية في بعض بلدان مبادرة الحزام والطريق في تعطيل تدفقات الاستثمار والتجارة. لقد أثرت أزمة أوكرانيا-روسيا والحرب المستمرة بين إسرائيل وفلسطين بالفعل على مبادرة الحزام والطريق، لا سيما من حيث الاستقرار الإقليمي والاضطرابات الاقتصادية. لذلك، من الضروري معالجة عدم الاستقرار السياسي والمخاطر الأمنية في بلدان مبادرة الحزام والطريق لضمان نجاح المبادرة.
قد تشكل المخاطر الاقتصادية والاستثمارية تحديًا لطموحات المغرب في تحقيق النمو المستدام والشامل. من المخاوف الرئيسية الاستدامة الدينية، حيث تمول مشاريع مبادرة الحزام والطريق عادة من خلال قروض كبيرة من البنوك الصينية. ما لم تُدار بحكمة، قد يواجه المغرب صعوبة في التعامل مع الدين المتزايد. والأهم من ذلك، هناك تأكيد على ضمان توافق هذه الاستثمارات مع نموذج التنمية الجديد في المغرب. قد تواجه الصناعات المغربية، مثل التصنيع والبناء، ضغوطًا تنافسية من الشركات الصينية، مما قد يؤدي إلى فقدان الوظائف المحلية. يجب أن تضمن السياسات حماية الصناعات المحلية ومنحها الفرص للنمو من خلال نقل التكنولوجيا ومبادرات بناء القدرات. ومع ذلك، لضمان توزيع عادل لمنافع مبادرة الحزام والطريق مع تقليل آثارها السلبية، يجب على المغرب تنفيذ استراتيجيات متعددة.
الخلاصة والتوصيات
إن العلاقة الاقتصادية بين المغرب والصين في تزايد مستمر، وتقدم مبادرة الحزام والطريق فرصة فريدة لمزيد من التعاون والاستثمار. إن الموقع الجغرافي الاستراتيجي للمغرب واستراتيجية تنويع اقتصاده تجعله وجهة جذابة للمستثمرين الصينيين الذين يسعون لتوسيع وجودهم في أفريقيا. ومع ذلك، هناك أيضًا مخاطر وتحديات محتملة مرتبطة بالمشاركة في مبادرة الحزام والطريق. يجب على صانعي السياسات في المغرب تحقيق توازن دقيق بين هذه المخاطر المحتملة والفوائد المحتملة لزيادة التجارة والاستثمار مع الصين. يمكن أن تساعد التوصيات السياساتية التالية صانعي السياسات المغاربة على تحقيق أقصى استفادة من المشاركة في مبادرة الحزام والطريق مع تقليل المخاطر:
– تعزيز الأطر المؤسسية والتنظيمية لضمان الشفافية والمساءلة.
– إجراء المزيد من الأبحاث لفهم تأثيرات مبادرة الحزام والطريق على اقتصاد المغرب ومجتمعه وبيئته.
– تعزيز الشفافية ومشاركة الجمهور لمعالجة الآثار السلبية على المجتمعات المحلية والبيئة.
– ضمان التنمية المستدامة والشاملة من خلال تنفيذ المبادرة بطريقة