فتاة تطوان تخاطبكم

نـجـاة المريـني
حِـرْصُ وزارة الشباب والثقافة والتواصل / قـطاع الثـقافـة على تنشيط الحقل الثقافي بالمغرب من خلال المعرض الدولي للكتاب يُـعَـدُّ خطوة رائدة لتحفيز المواطنين والقراء والطلبة والباحثين على الاطلاع على كل جديد في ميدان النشر والكتاب، وكذلك للتعريف بالمؤلفات والإصدارات التي تنعـش الحياة الثقافية في البلاد وبالقامات السامقة تأليفا وإبداعا في مختلف تجلياتهما من خلال ندوات ولقاءات وحوارات وغيرها.
أما بعد،
إن الاحتفاء والاحتفال بالمبدعـين شعراء وروائيين وغيرهم ليبعث في النفس ارتياحا وبهجة فينشط القلم على المتابعة ومراودة الكتابة، كــلٌّ فيما أينعت فيه ثمراته وأزهرت شجيراته، وذلك من خـلال ندوات ونقاشات تَـعْـبُرُ بالباحث والمواطن من حقل معرفي إلى حقل معرفي آخر في قاعات بعضها في المستوى المطلوب وبعضها غير مريح ولا يشجع على ارتيادها. هـذا وتصفح البرنامج الثقافي لأنشطة هذا المعرض، يفرض إبداء ملاحظات أساسية من خلال نقطـتيـن:
ــ الأولى: تغيـيب وتهميش أسماء وأسماء نسائية لها حضور وتألـق في حياتنا العلمية والأدبية، سواء كان التغييب مقصودا أو غيره؟ كيف لا نُحْـيَي في ردهات هذا العرس الثقافي حياة قامة سامقة في الكتابة والتأليف،والتدريس والتأطير، وقد عاشت حياتها في محراب العلم بهدوء وصمت، وأقصد الأديبة المتألقة الدكـتورة أمينة اللوه ( 1926ــ 2015) الحاصلة على اول جائزة أدبية في المغرب سنة 1954 عن روايتها (الأميرة خناثة )، وأول مديرة لدار المعلمات بتطوان في الأربعينات، وأول حاصلة على الدكتوراه في الآداب من جامعة مدريد بإسبانيا سنة 1968،وأول إذاعية مرموقة في إذاعة درسة بتطوان، صاحبة برنامج ” حديث الخميس: فتاة تطوان تخاطبكم ” في الأربعينات، وصاحبة مقالات بجريدة الأنوار ومجلتي المعتمد والأنيس بتطوان، وأول فتاة متعلمة تخطب أمام الأميرة للاعائشة سنة 1947 عندما زارت تطوان تـحـثُّ الفتاة المغربية على التعلم والدرس،وكانت كلمة الأستاذة امينة اللوه تنويها بخطاب الأميرة وتأكيدا على وجوب تمدرس الفتاة وتخليصها من الجهل والأمية، ساعتها كان خطابها حديث المجالس العلمية في المغرب قاطبة، كما أن الأستاذة اللوه قامة في ميدان الترجمة أيضا، خاصة النصوص الإسبانية إلى اللغة العربية، أتساءل كيف تغيب هذه السيدة الأديبة الرائدة عـن مجالس المعرض الدولي للكتاب ولا يتحدث عنها ولا يعـرَّفُ بها وبإنتاجها الغزير في فترة لــم يكن يُـعلـنُ فيها بعد عن ميلاد المرأة المغربية أدبيا وإبداعيا وإذاعيا.
أيضا اسم آخر لم يحظ بما يستحقه من عناية وتقدير؛ عمل في السياسة والكتابة في الثلاثينات والأربعينات، إنها السيدة مالكة الفاسي المرأة الوحيدة التي وقعت على عريضة المطالبة بالاستقلال سنة 1944،وصاحبة عمود ثقافي “بمجلة رسالة المغرب” سنة 1935، وكانت توقِّــع مقالها باسم ” الفتاة ” حينا وباسم ” باحثة الحاضرة ” حينا آخر، وكانت كتاباتها كما كتابات الأستاذة أمينة اللوه كتابات تلهب المشاعر وتقوي العزيمة لتعليم الفتيات وإلحاقهن حينذاك بالمدارس الوطنية التي أنشأها قادة الحركة الوطنية في المغرب في فترة الحماية. كما لا يجب ان أنسى الخريجات الأوليات من جامعة القرويين في المغرب سنة 1956، وقد نِـلن شهادة العالمية من هذه الجامعة، وكان للملك محمد الخامس الفضل في تشجيع الفتيات على ولوج رحاب جامعة القرويين في فترة لم يكن بعد للفتاة حضور في المدرسة أو الجامعة، وأذكر منهن الأستاذ الكاتبة والسياسية زهور الأزرق ( ت1993)، والأستاذة حبية البورقادي ( ت2012 ) التي اشتغلتْ فترة طويلة بوزارة الثقافة مسؤولة عن مديرية الثقافة في عهد العلامة الأديب وزير الثقافة الحاج امحمد باحنيني في السبعينات، والمسؤولة عن شؤون المرأة في جامعة الدول العربية في الثمانينات بالقاهرة، وأيضا لابد أن أذكر من خريجات جامعة القرويين سنة 1956 الأستاذة فاطمة القباج،الأستاذة السعدية الحمياني. أربع نساء / فتيات حصلن على شهادة العالمية من جامعة القرويين سنة 1956، كيف لا نتذكر هذه الفئة من العالمات؟ وقد اخترقـن الساحة العلمية بتشجيع من ملك البلاد محمد الخامس رحمه الله، ونجحن في مسيرتهن العلمية التعليمية وفـتحن بذلك الباب للمرأة كي تتعلم وتدرس ثم تـنـتج وتؤلف وتطالب فيما بعد بحقوقها في فترات لاحقة، وهو ما نشهده اليوم من حضور موفق للمرأة في سوح سياسية وفكرية وإبداعية متعددة.
السؤال: كيف لا نستحضر في هذا العرس الثقافي رائدات فـتحن المجال للمرأة فيما بعد لتعلن عن حضورها ووجودها في الساحة الثقافية والإبداعية وغيرها.
ـــ الثانية: كيف لا نحتفي برمزين كبيرين في الحياة الثقافية والسياسية في المغرب، المهديان ابن عبود ( ت 1999)، والمنجرة ( ت2014 )، عالمان جليلان كان لكل منهما شأن في ميدان تخصصه ونضاله،في تحرير الفكر والثقافة من قيود التبعية، مواقـفهما السياسية التحررية التي أزعجت السلطات على اختلافها فحاربتهما، كتابات كل واحد منهما تبعث في النفس حياة وحيوية، ألا يجدر بالندوات التي أقيمت أن يكون لهما حضور في مجالسها؟ وفي إقامة الندوات للتعريف بهما وبنضالهما في سوح كثيرة سياسية وعلمية وأخلاقية.
وأخيرا وكان ألأولى أن يكون أولا: من المسؤول عن البرامج والندوات التي احتضنـتها الأروقة الثقافية بالمعرض الدولي للكتاب في الفترة الممتدة من 10 إلى 19 مايو 2024؟ من المسؤول؟ أهـي مديرية الكتاب بالوزارة الوصية؟ أو لجنة تنسيق علمية من المثـقـفين وُكِـلَ إليها أمر البرمجة والاختيار؟ ماهي المعايير التي يرى المسؤولون أنها الأصلح للاختيار، فـتُجْـزي هذا وتـقـصي ذاك؟ أليس من حق المواطن أو الباحث أن يعرف من المسؤول عن البرمجة والتنظيم كما هو الشأن في كل الدول العربية والغربية؟
إن من لا ماضي له لا مستقبل له، فإذا انتعشتِ الحياة الثقافية اليوم بأسماء وازنة نعـتـز بها وبعطائها وبجهودها في سوح الثقافة والفكروالإبداع، فلا يجب أن ننسى الرواد من النساء والرجال الذين ناضلوا واللائي ناضلن من أجل أن نعلن اليوم بفخر واعتزاز عن ميلاد كوكبة من الكتاب والمبدعين في بلدنا، ونتذكر بأن هذا الميلاد سبقـته فـترات مـخاض عسيرة عاشتها فئات من النساء وفئات من الرجال في القرن الماضي !!!
وبعـد، هناك تساؤلات أخرى تتعلق بتهميش بعض المنجزات العلمية الخاصة بالتراث، تـراث الأدباء والعلماء المغاربة الذين أُغْـفِـلَ الحديث عنهم، وعن علم كان له حضور وبهاء وعناية بمنجزات هؤلاء الرواد بتحقيقها وإحيائها وإعادة إنتاجها،إنها ساحة يصعبُ ولوجها فتـلغى أنشطتها ولا يقام لها ما تستحقه من تكريم وتقريظ، إن عمل الزمرة من الأساتذة المهتمين بالتراث الأدبي والتاريخي المخطوط تؤكد أن الميدان له رجاله ونساؤه معتزين ومعتزات بما قـدموه من خدمات علمية رصينة للتراث المخطوط في بلد يضم آلاف المخطوطات التي يتسابق الباحثون المشارقة والغربيون إلى خدمتها وتحقيقها وإعادة إنتاجها.
إن هذا التراث الذي تتوفر عليه الخزانات المغربية في مختلف التخصصات ليدعو إلى أن تقام له الأعراس بدل العرس الواحد اعتزازا وتكريما لمن أرسوا دعائم لبنات ثقافـة بلد تألـقـت عطاءات أبنائه اليوم، وهذا موضوع في حاجة إلى وقـفات متأنية قـد تسمح الظروف بطرحها بموضوعية وعقلانية فيما بعد بإذن الله.
الأحد 10 ذي القعدة / 19 مايو 2024.