كنيسة الرباط تحتفل بعام الأمل: خطوة نحو مجتمع أكثر تسامحً

الرباط اليوم

يحتفل المغرب، وعلى وجه الخصوص في أبرشية الرباط، بعام يوبيل خاص يعكس روح الأمل والتجديد الديني. ففي يوم الأحد 29 ديسمبر، ستنطلق الاحتفالات الرسمية لبدء “يوبيل الأمل” في الكاتدرائية في العاصمة المغربية، بتوجيه ودعوة من رئيس أساقفة الرباط، الكاردينال كريستوبال لوبيز روميرو. يتزامن هذا الحدث مع سلسلة من المبادرات التي تعزز قيم القرب والتسامح، في مجتمع متنوع ومتعدد الأديان. سيتم افتتاح يوبيل الأمل من خلال حدث رمزي يتمثل في فتح باب الكاتدرائية المزخرف باللون الأخضر، حيث سيتم استقبال جميع المؤمنين والحجاج الزائرين، في علامة على الوحدة والتضامن الديني.

تتمحور فكرة هذا اليوبيل حول تعزيز الأمل في قلوب المسيحيين، سواء كانوا من السكان المحليين أو الحجاج العابرين. في حديثه عن التقاليد الجديدة، يوضح الأب دانيال نوريسات، راعي الكاتدرائية منذ عام 2018، كيف أن الباب الرمزي سيكون أول خطوة في إطار الاحتفال. في هذا اليوم، سيلتقي الكاردينال مع المؤمنين في ساحة الكنيسة قبل أن يتم قراءة جزء من Spes non confudit، الوثيقة التي أصدرها البابا فرانسيس في مايو من العام الماضي، والتي تدعو إلى تعزيز الأمل في العالم في وقت التحديات.

بعد ذلك، سيتوجه الكاردينال لوبيز إلى معمودية الكنيسة، حيث سيقوم مع ممثلي الرعايا في الرباط بتعليق لوحات تعبر عن نوايا المؤمنين وصلواتهم خلال هذا اليوبيل. هذه اللفتة الرمزية تشير إلى عمق الأمل الذي يربط بين المؤمنين في الرباط وحولها، كما أنها تعكس الروح العميقة للكنيسة المغربية في عملها المتواصل لتطوير الحياة الروحية وسط التنوع الثقافي والديني في البلاد.

تأخذ فكرة الأمل بعدًا آخر عند النظر إلى السياق الاجتماعي الذي يعيش فيه المسيحيون في المغرب. كما يشير الأب نوريسات، الأمل في هذه السنة اليوبيلية هو أيضًا طريق العديد من الأشخاص الذين يعيشون في المغرب، ومنهم المهاجرون الذين يشكلون جزءًا كبيرًا من المجتمع الكاثوليكي المحلي. هؤلاء المهاجرون، الذين ينحدرون من مناطق مختلفة من العالم، سواء من أفريقيا أو أوروبا أو حتى من مناطق أخرى، يعيشون في ظروف غالبًا ما تكون صعبة. ومع ذلك، يشكلون جزءًا أساسيًا من نسيج المجتمع الديني في الرباط.

يشير الأب نوريسات إلى أن الكنيسة في الرباط هي مكان للقاء بين الثقافات والأديان. يضيف أن هناك مجموعات من العائلات الأوروبية التي تقيم لفترة قصيرة، إلى جانب الطلاب في المعهد الإكاثوليكي الموفقا، الذي يعد جسرًا بين المسيحية والإسلام في المغرب. هذه الديناميكية تشكل قاعدة لعمل الكنيسة المستمر في تعزيز الحوار بين الأديان والتعايش السلمي في المغرب.

من خلال هذا اليوبيل، لا تسعى الكنيسة في الرباط فقط إلى تجديد روحها الداخلية، بل أيضًا إلى إحداث تغيير حقيقي في المجتمع المحيط بها. ويعكس ذلك التوجه الذي عبر عنه البابا فرانسيس في زيارته للرباط في عام 2019، حين شجع الكنيسة المغربية على أن تكون “في الخروج”، أي أن تكون كنيسة منفتحة على المجتمع ومهتمة بالآخر. هذا الفكر يتماشى مع استراتيجية الكنيسة المغربية لتوسيع نطاق العمل التبشيري من خلال تعزيز المجتمعات الكنسية الأساسية، وذلك لخلق مزيد من القرب بين الناس داخل الأحياء، مما يعزز روابط المحبة والتفاهم.

في هذه الفترة، تسعى الكنيسة في الرباط إلى تعزيز قيم التسامح والاحترام المتبادل بين الأديان. على سبيل المثال، يذكر الأب نوريسات أنه فوجئ عندما سمع موظفة مغربية تتمنى له “عيد ميلاد سعيد”، وهو ما يعتبره علامة على تقدم الاحترام بين المسلمين والمسيحيين في المغرب. هذه اللحظات من التقدير المتبادل ليست مجرد تعبير عن تسامح ديني، بل هي انعكاس للجهود المستمرة التي تبذلها الكنيسة في الرباط لتعزيز الحوار بين الأديان وتحقيق التعايش السلمي.

وما يميز الكنيسة المغربية اليوم هو الدور الذي تلعبه في بناء مجتمع أكثر قبولًا وتسامحًا. على الرغم من التحديات التي تواجهها، إلا أن الكنيسة تظل عنصرًا حيويًا في المجتمع المغربي، تعزز القيم الإنسانية وتفتح أبوابها للمحتاجين وللذين يسعون إلى السلام الداخلي.

مع انطلاق هذا العام اليوبيل، يبدو أن الكنيسة في الرباط تتوجه نحو مرحلة جديدة من النضج الروحي والاجتماعي. من خلال التركيز على الأمل، تستمد الكنيسة قوتها لمواجهة التحديات المستقبلية، سواء على المستوى الروحي أو المجتمعي. إن هذا اليوبيل ليس مجرد مناسبة دينية، بل هو فرصة جديدة لتجديد الروابط بين المؤمنين، ولتعزيز الحوار بين الثقافات والأديان في مجتمع المغرب المتنوع. كما أنه يمثل مثالًا حيًا على كيف يمكن للمؤسسات الدينية أن تكون جسرًا للتفاهم والإحترام المتبادل في عالم يسعى للسلام والعدالة.