لماذا يجب أن تبقى المؤسسة البنكية بعيدة عن السياسة والصراعات النقابية؟

الرباط اليوم

بقلم ربيع مزيد

في عالم يسوده التنوع الفكري والانتماء السياسي المتعدد، تبرز أهمية التزام المؤسسات البنكية بمبدأ الحياد، ليس فقط كخيار إداري، بل كضرورة مهنية واستراتيجية لضمان استقرارها واستمراريتها وثقة المتعاملين معها.

إن المؤسسة البنكية ليست فاعلًا سياسيًا ولا نقابيًا، بل هي فاعل اقتصادي ومرفق خدماتي يُفترض فيه أن يكون مفتوحًا على الجميع، دون تمييز أو اصطفاف. فهي تخدم زبناء من مشارب سياسية ونقابية ومجتمعية متعددة، ويجمعهم هدف واحد: التعامل البنكي الآمن والمهني.

*حينما تنخرط مؤسسة بنكية – بشكل مباشر أو غير مباشر – في أنشطة ذات طابع سياسي أو نقابي، أو تحتضنها داخل فضاءاتها الرسمية (كنواديها الاجتماعية أو فروعها)، فإنها بذلك تُعرّض نفسها لمخاطر جسيمة*. أول هذه المخاطر هو فقدان ثقة جزء من الزبناء الذين لا يتقاسمون التوجه السياسي أو النقابي الذي تم تبنيه أو دعمه، وقد يشعرون بالإقصاء أو بعدم الأمان المهني، فيلجؤون إلى مؤسسات أخرى أكثر حيادًا.

ثانيًا، فإن *الاصطفاف مع جهة نقابية معينة قد يؤدي إلى قطيعة مع الجهات النقابية الأخرى*، ما يُهدد التوازن داخل المؤسسة نفسها، ويفتح الباب لصراعات داخلية قد تمتد إلى مناخ الشغل، وتؤثر سلبًا على مردودية المؤسسة واستقرارها.

ولا ننسى أن المؤسسة البنكية تحتضن، ضمن مستخدميها وزبنائها، موظفين من القطاع العام، ومقاولين، وأجراء من مختلف القطاعات، وكلهم منضوون – بشكل أو بآخر – تحت تنظيمات مهنية أو نقابية مختلفة، ومن واجب البنك أن يحافظ على نفس المسافة من الجميع، تأكيدًا لمبدأ تكافؤ الفرص والعدالة المهنية.

ثم إن *العمل البنكي، في جوهره، يرتكز على الثقة والشفافية والاستقلالية*. وإذا ما أصبحت المؤسسة تُستعمل كمنبر لترويج خطاب سياسي أو نقابي معين، فإنها تفقد تدريجيًا صورة المؤسسة المحايدة، وتتحول إلى طرف في صراع لا يعنيها، وقد تجد نفسها، دون وعي، في موقع مواجهة مع أطراف كانت بالأمس شركاء وفاعلين داعمين لها.

إن الدعوة إلى تحييد المؤسسات البنكية عن السياسة والصراعات النقابية ليست دعوة لطمس الحقوق، ولا لإنكار واقع التعدد داخل المجتمع، بل هي *دعوة لحماية الفضاء البنكي من التوظيف الإيديولوجي، وضمان استقراره واستمرار أدائه في إطار من المهنية والاحتراف*.

لذلك، على كل مؤسسة بنكية أن تتذكر دائمًا أنها بنك لجميع المغاربة، بمختلف توجهاتهم، لا بنكًا لتيار معين. فالحياد ليس فقط خيارًا أخلاقيًا، بل هو أيضًا *أصل تجاري ومبدأ استراتيجي لضمان النمو والثقة والاستدامة*.