من يريد عرقلة التنمية المحلية بالعاصمة الرباط ؟
الرباط اليوم: محمد الطالبي
تشتغل الجماعات الترابية في ظل القانون التنظيمي الجديد 113.14، الذي يحمل في طياته مجموعة من المبادئ التي تهم تسيير الشأن المحلي، خاصة منها مبدأ التدبير الحر، ومبدأ التفريع الذي ورد في المادة الثالثة والرابعة من هذا القانون، وهي مبادئ تعطي اختصاصات أكبر للجماعات المحلية لتدبير شؤونها وتسيير مرافقها، أضف إلى هذا رفع الوصاية التي كانت بيد السلطات المحلية والاكتفاء بالرقابة البعدية، وكذا إمارة الصرف التي تحولت إلى يد رئيس المجلس الجماعي عوض أن تكون بيد الوالي كما كان معمولا به سابقا.
بالإضافة إلى هذا التحول، عرف النظام المالي للمدن المشمولة بنظام المقاطعات تغييرا مهما كذلك، من خلال تخصيص نسبة 10 في المائة من ميزانية الجماعة كمخصصات لتغطية نفقات المقاطعات، والقيام بالاختصاصات الموكولة لها، عكس ما كان من قبل، بعدما كان المجلس الجماعي يقدّر المنحة التي كان يقدمها للمقاطعات.
جماعة الرباط شكلت حالة استثناء من هذه التحولات التي شهدها القانون التنظيمي للجماعات الترابية، بل عرفت عرقلة موثقة بالصوت والصورة لأشغال إحدى دوراتها العادية من خلال الاعتداء الجسدي على كاتب المجلس الجماعي للعاصمة، والهدف حسب الأغلبية هو”عرقلة تمرير نقطة وحيدة من جدول الأعمال ترتبط بمخصصات المقاطعات، والتي عرقلت بالبلطجة في دورة فبراير”.
بعد المصادقة في اجتماع الدورة الأخيرة على هذه النقطة عاد المنع من جديد، وهذه المرة من طرف الوالي في مراسلة توصل بها العمدة في 26 ماي 2016، بعد مراسلة لحزب “البام” وجهها إلى الوالي في 10 ماي 2016 يطالب فيها بـ “إيقاف التأشير على حساب النفقات المرصودة للمقاطعات للسنة المالية 2016″، لتشكل حالة استثنائية لم تشهدها إلا جماعة الرباط، مما جعل المتابعين للمشهد السياسي بالعاصمة يصفونها بـ “الشاذة” و”اللامنطقية”.
وبعد هذه النازلة التي لم تمر عليها إلا أياما قليلة، أرسل الوالي “عبد الواحد الفتيت” مقالا استعجاليا للمحكمة الإدارية يدعو فيه إلى عزل “محمد ادبركة”، مستشار العدالة والتنمية ونائب رئيسة مقاطعة حسان، بدعوى “حضوره لجمع عام إحدى جمعيات الباعة المتجولين”، قبل أن تعلن المحكمة الإدارية رفض طلب الوالي، مما يطرح السؤال بإلحاح حول من يقف وراء عرقلة التنمية المحلية بالعاصمة الرباط؟
عرقلة مخصصات المقاطعات:
أكد محمد صديقي، عمدة مدينة الرباط، أن العرقلة التي يتعرض لها المجلس الحالي قديمة، وهي “استمرار لمسلسل بدأ منذ ظهور نتائج انتخابات الرابع من شتنبر الماضي، وعدم اعتراف الحزب المعلوم ومن يقف وراءه من الإدارة الترابية بهذه النتيجة المستحقة لحزب العدالة والتنمية”.
وجاء تصريح عمدة الرباط بعد مراسلة جديدة توصل بها من والي جهة الرباط سلا القنيطرة بعدم التأشير على حسابات النفقات من المبالغ المرصودة للمقاطعات، وإعادتها من جديد لتذييلها بتوقيعات رؤساء المقاطعات كما جاء في مراسلة الوالي بعد اعتراض سابق قدمه حزب “البام”.
وشدد محمد صديقي، على أن مجلس جماعة الرباط عقد 15 جلسة لـ 5 دورات، وفي كل هذه الجلسات يقول صديقي “لم يقدم مستشارو هذا الحزب ولو مقترحا واحدا يساهم في تحسين أو تجويد عمل المجلس الذي هم أعضاء ضمنه، ويرأسون فيه لجنة المرافق ونيابة لجنة أخرى ولهم تمثيليات في بعض المؤسسات”.
وأضاف المتحدث، أن ما يقوم به الحزب المعلوم “ليس غريبا عنه”، إذ أن هدفهم هو “منع الميزانية عن المقاطعات لكي لا تقدم خدمة القرب للساكنة”، مؤكدا أن هذا “حقد دفين ينم عن عقلية العمى الانتخابي، بعدما نسوا أن واجب المستشار أن يشتغل من أجل من انتخبوه وحتى مع خصومه السياسيين”.
وأوضح صديقي قائلا إن “الساكنة في الختام ستتفهم الظروف التي نشتغل فيها والعرقلة الممنهجة التي تواطأ فيها الحزب المعلوم مع جزء من الإدارة ولا حول ولا قوة إلا بالله”.
هكذا إذن لخص العمدة صديقي، أسباب عرقلة المصادقة على المبالغ المرصودة للمقاطعات في ثلاث نقاط أساسية : الأولى مرتبطة بعدم استيعاب الحزب المعلوم ومن يقف وراءه لنتائج الرابع من شتنبر والتي أعطت الصدارة لحزب العدالة والتنمية، والثانية مرتبطة بعدم إتاحة الفرصة للمنتخبين لتقديم خدمة القرب للساكنة، والثالثة ما سماه صديقي بـ”العمى الانتخابي”، بحيث لم يتقبل حزب الأصالة والمعاصرة فقدانه لأربع مقاطعات في انتخابات الرابع من شتنبر، في محاولة منه للعودة إلى المشهد السياسي بالعاصمة الرباط في السابع من أكتوبر ولو عبر “طرق البلطجة”، كما تؤكد ذلك أغلبية المجلس الجماعي.
مولاي احفيظ مستعين، نائب رئيس مقاطعة يعقوب المنصور، ذهب في نفس الاتجاه في حوار سابق، حيث أكد أن الحزب المعلوم “لم يستوعب بعد نتائج انتخابات 4 شتنبر في مدينة الرباط التي بوأت حزب العدالة والتنمية مركز الصدارة، وأصبح يقود التحالف المسير للمجلس الجماعي وأربع من مقاطعاتها الخمس”.
وتابع مستعين، قائلا “هذا دفع بحزب التحكم إلى فبركة مجموعة من الملفات لمجموعة من مسيري المدينة على رأسهم الأخ العمدة المهندس محمد صديقي، من أجل عرقلة سير المجلس وإبطاء أدائه، بل وصل بهم الحد إلى إعمال البلطجة والاعتداء الجسدي على كاتب المجلس وتخريب وتكسير أجهزة الجماعة لإفشال دورة فبراير التي كانت مخصصة بالدرجة الأولى للمصادقة والتصويت على حسابات النفقات الخاصة بالمقاطعات”.
وأكد المتحدث، أن هذه المخصصات “ستمكن المقاطعات من الاشتغال وأداء خدمات القرب للمواطنين”، معتبرا الرباط “الجماعة الوحيدة بالمغرب، المشمولة بنظام المقاطعات، التي لم تتوصل لحد الآن مقاطعاتها بالمخصصات من المبالغ المرصودة”.
واعتبر نائب رئيس مقاطعة يعقوب المنصور، أن الحزب المعلوم هو المعرقل الأساسي للعمل الجماعي بالعاصمة الرباط من أجل إيقاف مخصصات المقاطعات، وبالتالي إيقاف التنمية المحلية وتعطيل دور المنتخبين، مشيرا إلى الوصفة التي جعلت الساكنة إلى حد الساعة تتفاعل بإيجاب، وتتغلب على إكراهات عدم التوصل بالمستحقات المالية للمقاطعات هي “تدبير المتوفر، والحكامة الجيدة، والتواصل الجيد مع الساكنة”.
قضية المستشار محمد ادبركة
لم تقف معركة العرقلة في إيقاف المخصصات المالية للمقاطعات، إذ لجأ والي الرباط سلا القنيطرة عبد الواحد الفتيت إلى تحريك مسطرة العزل في حق “محمد ادبركة”، النائب السابع لرئيسة مقاطعة حسان “سعاد زخنيني” عن حزب العدالة والتنمية، والسبب حسب الوالي “حضوره لجمع عام إحدى جمعيات الباعة المتجولين”، مستندا في مقاله الإستعجالي لرئيس المحكمة الإدارية بالرباط إلى المادة 64 من القانون التنظيمي 113.14، والتي تنص على أنه “إذا ارتكب عضو من أعضاء مجلس الجماعة غير رئيسها أفعالا مخالفة للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل تضر بأخلاقيات المرفق العمومي ومصالح الجماعة قام عامل العمالة أو الإقليم أومن ينوب عنه، عن طريق رئيس المجلس، بمراسلة المعني بالأمر للإدلاء بإيضاحات كتابية حول الأفعال المنسوبة إليه داخل أجل 10 أيام ابتداء من تاريخ التوصل”.
وتفاعل مجلس مقاطعة حسان مع عزل المستشار “محمد ادبركة”، في اجتماع عقد يوم الخميس 2 يونيو بمقر المقاطعة، قرر أعضاء المجلس رفع الجلسة والتضامن مع “محمد إدبركة”، حيث أكد هشام الحرش، كاتب مجلس الرباط، أن “المعركة الحقيقية هي سعينا لتحصين الديمقراطية الوليدة كمستشارين منحنا المواطنون ثقتهم بهذه المقاطعة، وسنستمر في الدفاع عن مصالحهم، والقيام بدورنا كاملا وفق ما منحه القانون للمجالس المنتخبة”.
وأضاف كاتب المجلس الجماعي للعاصمة، في تصريح لـ pjd.ma على هامش الوقفة، “كلنا ثقة في القضاء المغربي، والمشرّع فعل خيرا حين أوكل العزل للقضاء تحصينا له من أي شطط في استعمال السلطة”.
وكانت المحكمة الإدارية بالرباط قررت، صباح يوم الجمعة 3 يونيو، تأجيل النظر في ملف عزل “محمد ادبركة” بسبب “وجود عيوب شكلية في مذكرة الإحالة”، لتعلن المحكمة رفض الطلب نهائيا يوم الأربعاء 08 يونيو، لتنتهي معركة “ملف ادبركة”، وتنطلق معارك جديدة، عَنوَنَها كاتب مجلس جماعة الرباط الحرش بـ “معركة تحصين الديمقراطية الوليدة”، بينما أكد مولاي حفيظ مستعين أنها ستواجه بوصفة “تدبير المتوفر، والحكامة الجيدة، والتواصل مع الساكنة”، قبل أن يعتبرها محمد صديقي معركة يقودها طرفان لخصهما في “الحزب المعلوم ومن يقف وراءه من الإدارة الترابية”.