الرئيسية | سياسة

المرحلة القادمة سياسية بامتياز.. من يقود حكومة الحكم الذاتي؟

blank
نشر في 28 أكتوبر 2025 - 12:34

الرباط اليوم

في السابق، كانت النقاشات السياسية والإعلامية في المغرب تتمحور حول من سيقود “حكومة المونديال” المرتقبة، بالنظر إلى حجم المشاريع الكبرى التي تراهن عليها المملكة استعدادًا لتنظيم نهائيات كأس العالم 2030. كانت التوقعات آنذاك تتركز على من يمتلك الكفاءة التقنية، والقدرة التنفيذية لتسريع وتيرة الأوراش التنموية والبنى التحتية التي ستجعل المغرب في مستوى هذا الحدث العالمي.

لكن اليوم، يبدو أن السؤال تغيّر بعمق: فالمشكل لم يعد تقنيًا أو تدبيريًا بقدر ما أصبح سياسيًا بامتياز. المرحلة الراهنة لم تعد تحتاج إلى حكومة تُنجز المشاريع فحسب، بل إلى حكومة حكم ذاتي بالمعنى السياسي والاستراتيجي، حكومة بنفس سياسي قوي، قادرة على توحيد الجبهة الداخلية، وإعادة الثقة إلى الفعل السياسي، والانتقال من منطق التدبير إلى منطق القيادة والتوجيه.

تعيش البلاد في لحظة دقيقة تتقاطع فيها رهانات داخلية وخارجية متشابكة: من جهة، هناك ضغوط اجتماعية واقتصادية تتطلب إصلاحًا سياسيًا عميقًا يُعيد التوازن بين الدولة والمجتمع، ومن جهة أخرى، هناك ملف وطني مركزي هو ملف الصحراء المغربية الذي بلغ اليوم مستوى متقدمًا من الاعتراف الدولي، لكنه يحتاج إلى إدارة سياسية ذكية تواكب التحولات الإقليمية وتستثمر في الدينامية الجديدة التي تعرفها القضية الوطنية.

blank

فإذا كانت المرحلة السابقة قد أنتجت “حكومة المونديال” ذات الطابع التنموي والاقتصادي، فإن المرحلة المقبلة تتطلب “حكومة الحكم الذاتي” بالمعنى الواسع للكلمة: أي حكومة تُجسّد رؤية المغرب الجديدة في تدبير الحكم المحلي الموسّع، وتترجم الإرادة الملكية في بناء نموذج ديمقراطي متجذر في الخصوصية الوطنية، منفتح على الشراكات الدولية، وقادر على التفاوض والتواصل بلغة سياسية رصينة ومتماسكة.

لا يمكن لأي حكومة أن تنجح في تنزيل مشاريع الحكم الذاتي أو الدفاع عنها في المحافل الدولية دون قاعدة سياسية صلبة، وبدون توافق وطني واسع يعيد الحيوية للمشهد الحزبي والنقابي والمدني. المطلوب اليوم ليس فقط وزراء تقنوقراط أو مسيّرين إداريين، بل قيادات سياسية تمتلك الشرعية الشعبية، والخبرة الميدانية، والقدرة على خلق جسور الثقة بين المؤسسات والمواطنين.

إن “حكومة الحكم الذاتي” التي يطرحها الواقع السياسي الجديد، هي في جوهرها حكومة مواطنة تفاوضية، تجمع بين الكفاءة والتجذر الوطني، وتدرك أن المعركة المقبلة هي معركة الوعي، والقدرة على توحيد الصف الداخلي أمام التحديات الجيوسياسية والاقتصادية المتسارعة.

يتطلب الانتقال من “حكومة المونديال” إلى “حكومة الحكم الذاتي” أيضًا تجديدًا في الخطاب السياسي ذاته. فالمغاربة اليوم لا ينتظرون وعودًا بقدر ما ينتظرون وضوحًا في الرؤية وجرأة في القرار. والمرحلة المقبلة ستكشف، بلا شك، عن ضرورة إعادة ترتيب البيت السياسي الداخلي بما يتماشى مع التحولات الكبرى التي يشهدها العالم، ومع المكانة التي يسعى المغرب لتكريسها كقوة إقليمية متوازنة ومستقرة.

blank
blank