الرئيسية | وطنية

منير تحت الضغط ومعاذ في صمت الحكيم.. ماذا بعد رسالة التوفيق؟

blank
نشر قبل 15 ساعة

الرباط اليوم

عرفت الزاوية القادرية البودشيشية، منذ رحيل الشيخ حمزة القادري البودشيشي، تحولات عميقة لم تقتصر فقط على الجانب الروحي، بل امتدت إلى المجال التنظيمي والسياسي. فمع بروز صراع المشيخة بين أبناء الشيخ جمال القادري، منير ومعاذ، برزت إلى السطح وثائق ومراسلات أعطت إشارات قوية حول موازين القوى داخل الطريقة. ومن أبرز هذه المحطات الرسالة التي وجهها أحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، سنة 2022 إلى منير القادري، والتي اعتُبرت بمثابة “القشة التي قصمت ظهر البعير”.

من المعروف أن أحمد التوفيق كان على علاقة خاصة بالزاوية منذ عهد الشيخ حمزة، إذ كان من بين المريدين المتابعين لأنشطتها الروحية. هذه العلاقة الشخصية أعطت للرسالة الموجهة إلى منير القادري وزنًا يتجاوز الطابع الإداري أو الشكلي.

الرسالة، بحسب مصادر مقربة من الزاوية، لم تكن مجرد تواصل بروتوكولي، بل حملت دلالات رمزية بليغة. فهي أكدت بطريقة غير مباشرة انسحاب التوفيق من الزاوية، بعدما كان يحظى بمكانة معتبرة بين المريدين.

اعتبر الكثيرون أن هذه الرسالة مثّلت لحظة فارقة في تاريخ الزاوية البودشيشية بعد وفاة الشيخ جمال. فهي أظهرت أن أحد أبرز الشخصيات الرسمية والروحية في المغرب، والذي جمع بين موقعه الحكومي كمشرف على الحقل الديني وبين خلفيته كمريد، قرر وضع مسافة واضحة بينه وبين القيادة الجديدة للزاوية.

الرسالة حملت أيضًا رسالة ضمنية للفاعلين السياسيين والدينيين مفادها أن الخلاف حول المشيخة لم يعد مجرد صراع داخلي بين أبناء الشيخ جمال، بل أصبح أزمة بنيوية تهدد وحدة الطريقة ومصداقيتها.

لكن الواقع أثبت أن تأثيرها كان عميقًا، إذ أصبحت تُذكر في كل نقاش داخلي باعتبارها “النقطة التي أفاضت الكأس”، وأشّرت على بداية انقسام معلن داخل البيت البودشيشي.

بعد كل هذه التطورات والصراع المحتدم حول مشيخة الزاوية، برز معطى بالغ الدلالة، الابن الأصغر للشيخ جمال، والذي تؤكد مصادر الرباط اليوم أنه المقرر أن يكون شيخ الزاوية، ظهر بمظهر رزين ومتزن، أقرب إلى رجل دولة منه إلى فاعل صوفي مأزوم. فقد التزم الصمت وسط هذه العواصف، ولم ينجرّ إلى أي ردة فعل، الأمر الذي عزز صورته في نظر الكثيرين كـ”شيخ حكيم” يزن الأمور ببرودة أعصاب.

في المقابل، أظهر شقيقه الأكبر منير القادري البودشيشي مؤخرًا وجهًا متوتّرًا، تجلى خصوصًا في أحد الفيديوهات المتداولة حيث بدا في حالة انفعال. هذا التناقض في السلوك بين الأخوين غذّى الخطاب الدائر داخل الزاوية وخارجها، إذ اعتبر عدد من المريدين أن الكاريزما الهادئة للابن الأصغر تمنحه مشروعية إضافية، مقابل تراجع صورة منير الذي سعى إلى تثبيت نفسه كشيخ، لكن دون أن يتمكن من تجسيد رمزية “السكون الروحي” التي ميّزت شيوخ الزاوية عبر تاريخها.

رسالة أحمد التوفيق إلى منير القادري البودشيشي سنة 2022 لم تكن مجرد ورقة إدارية أو تواصل اعتيادي، بل تحولت إلى حدث مفصلي أعاد تشكيل مسار الزاوية البودشيشية. فقد كشفت عن هشاشة التوازنات الداخلية، وأظهرت أن الشرعية الروحية التي بنتها الزاوية لعقود تواجه اليوم تحديات غير مسبوقة.

وبقدر ما كانت الرسالة إعلان انسحاب وزير الأوقاف من موقعه كمريد، كانت أيضًا إشارة صريحة على أن مستقبل الطريقة رهين بقدرتها على تجاوز صراعات المشيخة، وإعادة بناء وحدة صفوفها بما يضمن استمرار إشعاعها الروحي في المغرب والعالم.

غير أن المؤشرات تفيد بأن هذا الصراع لن يستمر طويلاً، إذ من المقرر أن يُحسم في الأيام القليلة المقبلة، عبر تسمية الشيخ الجديد رسميًا أمام الملأ يوم عيد المولد النبوي، في خطوة ستحدد مستقبل الزاوية وموقعها داخل المشهد الديني المغربي.

blank
blank