بين صحة المواطنين وحسابات السياسة.. من يقف وراء احتجاجات أكادير؟

الرباط اليوم
شهدت مدينة أكادير، أمس الأحد، وقفة احتجاجية لافتة أمام مستشفى الحسن الثاني، رفعت خلالها شعارات تطالب بتحسين خدمات القطاع الصحي وتعجيل إصلاحاته. ورغم أن مطالب المحتجين تبدو في ظاهرها اجتماعية، إلا أن توقيت هذه الوقفة ومكانها يطرحان علامات استفهام عميقة حول خلفياتها الحقيقية، خاصة وأنها جرت في معقل رئيس الحكومة ورئيس بلدية أكادير، عزيز أخنوش.
اختيار لحظة الاحتجاج ليس تفصيلاً عابراً. فالوقفة جاءت في ظرف سياسي حساس، حيث تستعد البلاد لسلسلة استحقاقات انتخابية محلية وتشريعية في أفق 2026، وفي وقت تعرف فيه الحكومة دينامية مشاريع وإصلاحات كبرى في قطاع الصحة. هذا التزامن يجعل من الصعب إبعاد شبهة التأطير المسبق أو التحضير لمرحلة انتخابية مبكرة، خصوصاً وأن المستهدف المباشر، سياسياً ورمزياً، هو رئيس الحكومة الذي يترأس أيضاً بلدية المدينة.
لا يمكن إنكار أن المنظومة الصحية المغربية تعاني منذ سنوات من اختلالات هيكلية عميقة، بدءاً من نقص الموارد البشرية، مروراً بتحديات التمويل، وصولاً إلى تدهور بعض البنيات التحتية. غير أن هذه الحكومة بالذات باشرت، منذ توليها المسؤولية، مجهودات غير مسبوقة للنهوض بالقطاع، سواء عبر بناء وتجهيز مستشفيات جديدة، أو إطلاق ورش الحماية الاجتماعية، أو تحسين شروط ولوج المواطنين إلى الخدمات العلاجية.
ويشير متابعون إلى أن مستشفى الحسن الثاني نفسه استفاد من عمليات توسعة وتجهيز في السنوات الأخيرة، ضمن استراتيجية وطنية لتحديث البنيات الصحية استعداداً للاستحقاقات الدولية المقبلة مثل كأس إفريقيا للأمم 2025.
المعطى الأكثر إثارة هو الخروج السياسي لعدد من قيادات المعارضة بتصريحات تؤيد هذه الوقفة وتتبنى مطالبها. هذا الموقف لم يأتِ صدفة، ويعزز فرضية أن ما جرى ليس بريئاً، بل يندرج ضمن محاولات بعض الأطراف استثمار الاحتقان الاجتماعي لتوجيه رسائل انتخابية مبكرة وإرباك موقع رئيس الحكومة في معقله الانتخابي.
بين من يراها حركة احتجاجية عفوية تعكس الغضب الشعبي من بطء الإصلاح، ومن يعتبرها مناورة سياسية لقياس نبض الشارع واستغلال الهشاشة الاجتماعية، تبقى الحقيقة رهينة بالتحقيقات والمعطيات الميدانية. لكن المؤكد أن هذه الوقفة، في هذا التوقيت والمكان، ومع هذا التأييد السياسي الصريح، تكشف عن تداخل السياسة بالخدمات الاجتماعية، وعن استخدام قضايا الصحة كأداة ضغط انتخابي محتملة.
احتجاجات أكادير الأخيرة تفتح الباب أمام نقاش وطني حول أخلاقيات الفعل السياسي واستغلال معاناة المواطنين لأغراض انتخابية، في وقت يحتاج فيه القطاع الصحي إلى تكاتف الجهود بدل تغذية الصراعات. وبين مطالب مشروعة واتهامات بالتوظيف السياسي، يبقى الرهان على وعي الشارع وقدرة المؤسسات على الاستمرار في مسار الإصلاح بعيداً عن الحسابات الضيقة.