الرئيسية | وطنية

لماذا يختار يهود مغاربة الاستقرار في المغرب؟

نشر قبل 22 ساعة

الرباط اليوم

في خضم الصراعات الإقليمية والتوترات المتصاعدة، بدأت ظاهرة لافتة تشق طريقها بهدوء في الأوساط الإسرائيلية ذات الأصول المغربية. فقد كشف تقرير لصحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية عن توجّه متزايد بين هؤلاء نحو الاستقرار في المغرب، ليس بدافع اقتصادي أو سياسي فحسب، بل بدافع وجداني عميق للعودة إلى الجذور والانتماء لهوية لطالما بقيت حاضرة في الذاكرة العائلية والثقافية.

نيتا حازان، 39 سنة، واحدة من هؤلاء العائدين إلى “الوطن الأصلي”. ابنة لمهاجرين مغاربة، قررت أن تستبدل ضجيج الحرب في تل أبيب بسكون الأزقة العتيقة في فاس والدار البيضاء. اليوم، تحمل بطاقة تعريف مغربية تشير إلى مكان ولادتها: “القدس، فلسطين”. لحظة مؤثرة عاشتها داخل سيارة أجرة، حين أخبرها السائق أن “إسرائيل لا وجود لها”، ثم عرض عليها مقاطع تشجيع جماهير الرجاء المغربي بأعلام فلسطين. لم تهتز، بل ابتسمت وقالت لنفسها: “أنا الآن مواطنة مغربية… لقد حققت حلمي”.

على الضفة الأخرى، اختارت تشين إلملياح، 41 سنة، مسارًا أكثر قانونيًا في رحلتها نحو المغرب. مستغلة أصولها المغربية، نجحت في الحصول على أوراق ثبوتية مكنتها من الهجرة، رغم الإجراءات المشددة التي فُرضت بعد توقيع اتفاقيات “أبراهام” ومحاكمة شبكات متورطة في استغلال ثغرات الجنسية. إلملياح ترى في المغرب أكثر من وطن بديل: “إنه المكان الوحيد الذي شعرت فيه بانتماء حقيقي، هنا أعيش كأنني عدت إلى نفسي”.

لا تقتصر الظاهرة على حالات فردية، بل تشمل مجموعة من الشباب في أواخر الثلاثينات وأوائل الأربعينات، بعضهم عاد ليستقر نهائيًا، وآخرون يتنقلون بين المغرب وإسرائيل، يحملون معهم ذاكرة الآباء والأجداد، ويبحثون عن السلام في بلد عاش قرونًا من التعايش بين المسلمين واليهود.

الصحيفة الإسرائيلية سلطت الضوء أيضًا على فنانين وأكاديميين إسرائيليين يعملون على تعزيز التقارب الثقافي بين البلدين. بعضهم يدرّس الدارجة المغربية، وآخرون افتتحوا مطاعم حلال في مراكش لخدمة الزوار الإسرائيليين والجالية اليهودية، في مشهد يوحي بأن العلاقة بالمغرب لم تكن يومًا منقطعة، بل مؤجلة.

لكن طريق العودة ليس مفروشًا بالورود. التقرير تحدث عن مشاعر مناوئة ظهرت بعد أحداث 7 أكتوبر، تراوحت بين رفع أعلام فلسطين على سيارات بعض الإسرائيليين في مراكش، إلى دعوات مقاطعة ومناهضة من تيارات دينية وسياسية محسوبة على الإسلاميين. ومع ذلك، تؤكد الصحيفة أن الموقف الرسمي المغربي، بما فيه دعم الملك محمد السادس والمرجعيات الدينية، ساهم في تهدئة الأجواء والتأكيد على خيار العيش المشترك.

وفي خلاصة تقريرها، أوضحت “يديعوت أحرونوت” أن هذه الحركة لا تمثل موجة هجرة منظمة، بل مبادرات فردية من عشرات الأشخاص، تجمعهم رغبة عميقة في إعادة اكتشاف الذات والتاريخ، في أرض لم تكن يومًا غريبة عنهم.

blank
blank